الأسرة في المجتمع المعاصر هي امتداد طبيعي
للأسرة في الزمن القديم مع بداياتها الأولى مروراً بالعصر الإسلامي الذي ترك بصمات
واضحة على وظيفة وأثر الأسرة في النواحي التربوية والاجتماعية وتقوية الروابط بين
أفراد المجتمع الواحد ، ففي مرحلة من مراحل تطور الأسرة كانت الأسرة كبيرة الحجم
ثم أخذ يضيق نطاقها وحجمها شيئاً فشيئاً حتى وصلت إلى هذا الحجم من الضيق الذي
نلمسه اليوم في بعض المجتمعات الغربية حيث تعمد طبقات في أوربا وأمريكا إلى أن
تعهد بحضانة أولادها إلى بعض المؤسسات الحكومية أو الأهلية في جزء كبير من اليوم
لأن عمل الرجل مع المرأة بالمصانع والأدوات أصبح يحول دون التفرغ الكامل لرعاية
الأبناء والاهتمام بشئونهم ومثلما يحدث مع الأبناء والصغار يحدث مع الآباء الكبار
حيث يعهد بعض الأبناء إلى دور المسنين والعجزة برعاية أبويه حينما يبلغ الكبر
أحدهما أو كلاهما ذلك أن الروابط الأسرية في المجتمع المعاصر أصبحت أقرب إلى
التفكك والانهيار ، لكن الذي يذكر للإسلام في هذا الجانب أنه أوصى بالأبناء وقرر
حقوقاً للأبناء على الآباء تبدأ من اختيار أمهم اختياراً صحيحاً مروراً بتسميتهم
أسماءً مقبولة وتوفير أرزاقهم ومعاشهم فقد قرر الرسول e
أن “ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالرجل راع في بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة
راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها .. ) إلى آخر الحديث. كما أوصى الأبناء
بالآباء وقرن البر بهما والإحسان إليهما بالشرك بالله قال تعالى ( وقضى ربك ألا
تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا
تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة
وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا
وقد تناسبت
أدوار وآثار الأسرة مع تطورها واثر قيام الدولة المعاصرة فقد كانت الأسرة تقوم
بجميع الوظائف الاجتماعية والاقتصادية تقريباً في الحدود التي يسمح بها نطاقها
وبالقدر الذي تقتضيه ظروف المجتمع وحاجاته الاجتماعية والاقتصادية.
فقد كانت
الأسرة عبارة عن مؤسسة أو هيئة اقتصادية تقوم بإنتاج ما تحتاج إليه وتشرف على شئون
الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والاستبدال الداخلي و لا يكاد يجرى بينها وبين أي
أسرة أخرى سوى بعض المعاملات الاقتصادية البسيطة حيث أن الأصل أن تجتهد كل أسرة
فيما بينها على الاكتفاء الذاتي بين أفرادها وفي الإسلام فإن الإنفاق على الأسرة
التي تشمل الزوجة والأبناء وغيرهم مسئولية الزوج ( الأب ) ( الرجال قوامون على
النساء ) في الإنفاق وفي قضاء حوائجهم وجعل الميراث للأبناء عبد الآباء ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون )
وهناك بين
أفراد الأسرة الواحدة صور من التعاملات الاقتصادية التي ترتبط بالإنفاق على
الأبناء والآباء كبار السن وصور التكافل الاجتماعي والظاهر أن الآثار الاقتصادية
للأسرة قد تقلصت إلى حد كبير غير أنه من المؤكد أنها ستظل تقوم بأثر ما في المجال
الاقتصادي حتى النهاية من ناحية أنها التي توفر كافة المتطلبات المادية للصغار الذين
يعيشون في كنفها على الأقل فيما قبل بلوغهم السعي وتحصيل الرزق ومن ناحية أخرى
أنها تستطيع أن تكسب الأفراد بعض الصفات الاقتصادية من حيث الكسب والإنفاق والكرم
والبخل إلى آخر هذه المورثات التي يكون للأسرة أثرها البارز فيها.
وأما من
الناحية السياسية والتشريعية ، فالأسرة هي التي كانت تضع الشرائع وتسن القوانين
وترسم الحدود وتمنح الحقوق وتفرض الواجبات وكانت بذلك تشرف على شئون السياسة
العامة وتنظيم العلاقات مع الأسر والعشائر الأخرى وتتعهد تنفيذ ما تضعه من تشريعات
وما تسنه من قوانين وتقوم بالفصل فيما ينشأ بين الأفراد من خصومات وتعمل على رد
الحقوق إلى أصحابها والقصاص للمظلوم من الظالم وحراسة وعقاب من يعتدي على حرماته
وما إلى ذلك من الآثار والوظائف التي تؤديها اليوم السلطات القضائية في الدولة
المعاصرة ، وقد تراجعت إلى حد كبير هذه الآثار للأسرة مع ظهور الدولة الحديثة التي
تقوم بالدور السياسي والقضائي والتشريعي فلا تكاد تلمس أثراً للأسرة في معظم هذه
النواحي اللهم إلا الأثر الذي تفرضه علاقات الأفراد بعضهم ببعض فيما يتعلق
بالتوجهات السياسية والأخلاقية والانتمائية وما تبثه في نفوس أفرادها من احترام
المجتمع والحفاظ على مقدارته وإنجازاته.
من الثابت
في الأدبيات الاجتماعية أن الأسرة منذ بداياتها الأولى وحتى اليوم كانت لها آثار
دينية وخلقية وتربوية فهي التي كانت تضع النظم الخلقية وقواعد السلوكية وتفصل
أحكامه وتوضح مناهجه وتقوم بحراسته وهي التي كانت تميز الخير من الشر والفضيلة من
الرذيلة وترسم مقاييس الأخلاق.
وفي
الإجمال فإن الأٍسرة كانت لها آثار بارزة في معظم النواحي الاجتماعية والاقتصادية
وظلت لها تلك الآثار إلى عهد قريب حيث طغت النزعة الفردية لدى الأفراد والرغبة في
الاستقلال ومع ظهور الدولة بالمفهوم الحديث واتساع وتنوع وظائفها وهيمنة آثارها
واتساع نطاق سيطرتها على الأسرة أخذ المجتمع العام يطغى بآثاره على سلطان الأسرة
وآثارها وينتقص من أثرها ووظائفها وينشئ مع مرور الوقت هيئة خاصة لكل وظيفة كانت
تقوم بها الأسرة في الماضي وهذه الهيئة بطبيعة الحال مستقلة عن الأسرة وخاضعة بشكل
أو بآخر إلى سلطان الدولة أو المجتمع تأتمر بأمره وتسير وفق توجهاته فقد كان أن
انتزعت الدولة من الأسرة الوظيفة التشريعية وأنشأت في المقابل هيئات خاصة تشرع
للمجتمع ككل وانتزعت الدولة من الأسرة السلطة التنفيذية وأنشأت بدلاً منها هيئات
حكومية تشرف على السياسات العامة والتنفيذية بل وقد انتزعت الدولة من الأسرة
الوظيفة الدينية وأنشأت في المقابل هيئات خاصة تتمثل في المجامع العلمية والدينية
وهيئات الفتوى وانتزعت الدولة من الأسرة الوظيفة التربوية - إلى حد ما - وأنشأت
هيئات خاصة تقوم بدور التربية والتعليم مثل المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز
الثقافة والإرشاد والبحث العلمي وانخفض إلى حد كبير أثر الأسرة في التربية واشترك
معها في التربية كثير من الهيئات منها التعليمي والإعلامي والثقافي والفني ، فبعد
أن كانت الأسرة هي العامل المهم في عملية التربية أصبحت أحد أهم عوامل التربية
وإلى جانبها الإعلام والمدرسة والجامعة والشارع والرأي العام والأصدقاء .. الخ.
كما انتزعت
الدولة من الأسرة الوظيفة الاقتصادية وأنشأت هيئات خاصة مثل المصارف والمصانع
والشركات الكبيرة وأصبح الفرد ينتج للمجتمع ككل بعد أن كان ينتج لنفسه ولأسرته ولا
يكاد يستهلك من إنتاجه الخاص شيئاً بل يستهلك من إنتاج غيره وأصبح المجتمع العام
هو المهيمن على معظم الأمور التي كانت تقوم بها الأسرة وتؤديها في رضى واطمئنان .
أركان
الأسرة
فأركان
الأسرة بناءً على ما تقدم هي:
(1) الزوج.
(2)
الزوجة.
(3)
الأولاد.
وتمثل
الأسرة للإنسان «المأوى الدافئ، والملجأ الآمن، والمدرسة الأولى، ومركز الحب
والسكينة وساحة الهدوء والطمأنينة
أهمية
الأسرة
وليس من شك
أن الأسرة لها الأثر الذاتي والتكوين النفسي في تقويم السلوك الفردي، وبعث الحياة،
والطمأنينة في نفس الطفل، فمنها يتعلم اللغة ويكتسب بعض القيم، والاتجاهات، وقد
ساهمت الأسرة بطريق مباشر في بناء الحضارة الإنسانية، وإقامة العلاقات التعاونية
بين الناس، ولها يرجع الفضل في تعلّم الإنسان لأصول الاجتماع، وقواعد الآداب
والأخلاق، كما أنها السبب في حفظ كثير من الحِرف والصناعات التي توارثها الأبناء
عن آبائهم..
وظائف
الأسرة
وللأسرة
وظائف حيوية مسؤولة عن رعايتها، والقيام بها، وهذه بعضها:
1ـ إنها
تنتج الأطفال، وتمدّهم بالبيئة الصالحة لتحقق حاجاتهم البيولوجية والاجتماعية،
وليست وظيفة الأسرة مقتصرة على إنتاج الأطفال فإن الاقتصار عليها يمحو الفوارق
الطبيعية بين الإنسان والحيوان.
2ـ إنها
تعدّهم للمشاركة في حياة المجتمع، والتعرف على قيمة وعاداته.
3ـ إنها
تمدّهم بالوسائل التي تهيئ لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع.
4ـ
مسؤوليتها عن توفير الاستقرار والأمن والحماية والحنو على الأطفال مدة طفولتهم
فإنها أقدر الهيئات في المجتمع على القيام بذلك لأنها تتلقى الطفل في حال صغره،
ولا تستطيع أية مؤسسة عامة أن تسد مسد الأسرة في هذه الشؤون
5ـ على
الأسرة يقع قسط كبير من واجب التربية الخلقية والوجدانية والدينية في جميع مراحل الطفولة..
ففي الأمم التي تحارب مدارسها الرسمية الدين بطريق مباشر أو غير مباشر كالشيوعية،
وفي الأمم التي تسير معاهدها الدراسية على نظام الحياد في شؤون الدين والأخلاق
كفرنسا وغيرها يقع عبء التعليم الديني على الأسرة... فبفضل الحياة في الأسرة تتكون
لدى الفرد الروح الدينية وسائر العواطف الأسرية التي تؤهله للحياة في المجتمع
والبيت
إن فترة
الطفولة تحتاج إلى مزيد من العناية والإمداد بجميع الوسائل التي تؤدي إلى نموه
الجسمي والنفسي، وإن من أوهى الآراء القول بأن الوظيفة الوحيدة للأسرة إمدادها
للأبناء بالمال اللازم لهم، فإن هذا القول قد تجاهل العوامل النفسية المختلفة التي
لابدّ منها لتكوين الفرد الإنساني كالحنان والعطف، والأمن والطمأنينة فإنها لازمة
لنمو الطفل النفسي، ويجب أن تتوفر له قبل كل شيء.
لقد أكد
علماء النفس والتربية أن للأسرة أكبر الأثر في تشكيل شخصية الطفل، وتتضح أهميتها
إذا ما تذكرنا المبدأ البيولوجي الذي ينص على ازدياد القابلية للتشكيل أو ازدياد
المطاوعة كلما كان الكائن صغيراً. بل يمكن تعميم هذا المبدأ على القدرات
السيكولوجية في المستويات المتطورة المختلفة.
إنا ما
يواجهه الطفل من مؤثرات في سنّه المبكر يستند إلى الأسرة فإنها العامل الرئيسي
لحياته، والمصدر الأول لخبراته، كما أنها المظهر الأصيل لاستقراره، وعلى هذا
فاستقرار شخصية الطفل وارتقائه يعتمد كل الاعتماد على ما يسود للأسرة من علاقات
مختلفة كماً ونوعاً... إن من اكتشافات علم التحليل أن قيم الأولاد الدينية
والخلقية إنما تنمو في محيط العائلة.
إرسال تعليق